تريم عاصمة الثقافة الإسلامية

يمثل اختيار مدينة تريم الغناء عاصمة للثقافة الإسلامية


لهذا العام حدثا


كبيرا في تاريخ الثقافة اليمنية، خاصة وأن مدينة تريم حظيت بهذا الاختيار
من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم من بين عدد من المدن
الإسلامية العالمية لما لها من حضور ثقافي في الذاكرة الإسلامية، ولدور
أبنائها الكبير في نشر الدعوة الإسلامية في مختلف الأزمنة والأمكنة.



تنسب

مدينة تريم كما جاء في كتاب صفة جزيرة العرب للمؤرخ الحسن بن أحمد
الهمداني إلى تريم بن السكون بن الأشرس بن كندة، كما نسبتها عدد من
المصادر إلى تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر، وقد جاءت في النقوش اليمنية
القديمة باسمين (تريم)، و(ترم)، وأجمعت المصادر التاريخية أنها اختطت في
القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت عاصمة لملوك كندة.


في حضرة الإسلام


أصبحت
تريم في العصر الإسلامي مركزا مهما من مراكز العلم والمعرفة، وكان عدد من
أبنائها في وفد كندة الذي ذهب إلى المدينة المنورة لمبايعة الرسول صلى
الله عليه وسلم، وبعد وفاة الرسول بايع أهل تريم الخليفة أبابكر، وشاركوا
أهل حضرموت في قتال المرتدين وهزموهم في معركة فاصلة في حصن (النجير) شرق
مدينة تريم، واحتضنت مقبرة تريم المعروفة بـ(زنبل) عددا كبيرا من موتى
الصحابة، حتى قيل أنه دفن فيها أربعون من أهل بدر.


مساجد تريم


وقد
ساعد الموقع الجغرافي للمدينة، وطيب هوائها، وكثرة نخيلها على أن تصبح
حاضرة من أهم حواضر حضرموت، وزاد على ذلك أن ظهرت فيها كثير من الأسر
العلمية التي قامت بإنشاء الأربطة والكتاتيب وحلق العلم، وبنت لذلك كثيرا
من المساجد الصغيرة التي قيل أنها بلغت أكثر من ثلاثمائة مسجد، انحسرت في
القرون الأخيرة بفعل ظهور عدد من الجوامع الكبيرة إلى مائة مسجد، ولعل
أهمها هذه المساجد: جامعها المشهور الذي أسس في القرن الرابع الهجري،
وأصبح مرتادا لطلاب العلم من مختلف البلاد العربية والإسلامية، ومسجد
الوعل الذي أسسه أحمد بن عباد بن بشر الأنصاري، ومسجد أبي حاتم، ومسجد
الفتح، ومسجد المحضار المشهور بمئذنته التي ترتفع أكثر من خمسين مترا،
وتعتبر هذه المنارة من أشهر المعالم التاريخية والأثرية لمدينة تريم كونها
بنيت من الطين، بأسلوب هندسي جعلها تقاوم تقلبات الطبيعة لما يقارب قرنا
من الزمان.



الأربطة العلمية



اشتهرت

تريم بكثرة علمائها، حتى سميت في بعض المصادر بـ(مدينة العلم والعلماء)،
وقد أدى التنافس العلمي بين الأسر العلمية في هذه المدينة إلى إنشاء أربطة
علمية تدرس مختلف علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وشيء من الحساب
والفلك والزراعة،وغيرها من العلوم التقليدية، وقد أدت هذه الأربطة دورا
كبيرا في نشر العلم والمعرفة، وقصدها طلاب العلم من شتى البلاد العربية
والإسلامية، ومن أشهر هذه الأربطة: رباط تريم، رباط الفتح، رباط أبي مريم،
رباط بافضل، رباط حسين الحاج، رباط باغريب، وأربطة أخرى بلغت قرابة عشرين
رباطا علميا.



مع العلماء والأدباء


ظهر
في مدينة تريم كثير من العلماء والأدباء والشعراء، ومن أشهرهم العلامة عبد
الله بن علوي الحداد وأبوبكر بن شهاب والشاطري وفي العصر الحالي أنجبت
المدينة مجموعة من خيرة العلماء منهم السيد سالم الشاطري وعلي مشهور بن
حفيظ وأبو بكر المشهور، وعمر بن محمد بن حفيظ وعلي زين العابدين الجفري
والشيخ علي سالم بكير والكثير الكثير من العلماء الإجلاء.


ومن
شعراء تريم المشهورين الشاعر عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه، والشاعر أحمد
بن أبي الحب التريمي، والشاعر أبو بكر بن شهاب الذي كتب في تريم أجمل
قصائده، ومن ذلك القصيدة الشهيرة التي يقول في مطلعها:
بشراك هذا منار الحي ترمقهُ
وهذه دور من تهوى وتعشقه
وهذه الروضة الغناء مبدية
مع النسيم شذى الأحباب تنشقه
فحيِّ سكان ذاك الحي إن شهدتْ
عيناك سربَ الغواني حين يطرقهُ
وفي كتاب (تاريخ الشعراء الحضرميين) للمؤرخ (

عبدالله بن محمد السقاف) أكثر من خمسين شاعرا ينتسبون إلى مدينة تريم.



مكتبات تريم


ليست
المساجد وحدها أهم ما يميز تريم الغناء، فهناك مكاتبها العلمية الكثيرة و
العامرة بآلاف الكتب والمخطوطات النادرة ،ومنها مكتبة الأحقاف الشهيرة وهي
أكبر مكتبة علمية ثقافية في المدينة وتحتفظ بأكثر من 5300 مخطوط في مختلف
أنواع العلوم والمعارف ، سميت بالأحقاف نسبة إلى وادي الأحقاف وهو ما يعرف
بوادي حضرموت.


وقد
أنشئت هذه المكتبة في شهر ديسمبر 1970م ، بعد اندماج وجمع عدة مكتبات خاصة
تابعة للعائلات التي سكنت تريم و هي: مكتبة الكاف ، مكتبة آل بن يحي ،
مكتبة الربـاط ، مكتبة بن سهل ، مكتـبـة الحسيني، ومكتبة آل الجنيد، مكتبة
سميط، وغيرها.



تريم والتحدي الأكبر

يمثل

اختيار تريم عاصمة للثقافة الإسلامية تحديا كبيرا، وخاصة للجهات المسئولة
عن الشأن الثقافي في اليمن، ويأتي في مقدمتها وزارة الثقافة، وكذا وزارة
السياحة، والاتحاد العام للأدباء والكتاب اليمنيين، والمؤسسات الثقافية
المدنية، وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة التي يفترض فيها أن تغادر
أطرها التقليدية إلى فضاء من الفعل الثقافي المؤسس الذي يتجاوز الزمان
والمكان تدشينا لحراك ثقافي متصل.



ولأن

اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية في عام 2004م قد أعطى ثمرة جيدة في
طباعة الكتاب حيث وصل عدد الكتب المطبوعة إلى أكثر من ثلاث مائة كتاب، وهو
إنجاز رائع يحسب للثقافة آنذاك، وللأستاذ خالد الرويشان، فإن هذا العام
ينبغي أن يكون أيضا عام الكتاب، وخاصة تلك المخطوطات النادرة التي تغص بها
خزائن المخطوطات في تريم، وغيرها من الحواضر العلمية، فهل نطمح أن نرى
إنجازا في هذا الشأن كما وكيفا، أم أن المسألة لا تتعدى الاحتفالات
الصاخبة التي تذهب جفاء في حين يبقى الكتاب منارة لا تطفئها عواصف الدهر،
ولا تقلبات الزمن